كلمة السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة بمناسبة تعيين المسؤولين القضائيين يوم 21 نونبر 2019 بالرباط


25 نونبر 2019

بسم الله الرحمان الرحيم

والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه

السيدات والسادة الحضور الكريم

 

يقتضي مني الحديث في مثل هذا الحفل أن أتوجه إليكم بالشكر لأجل استمراركم في الحفاظ على هذا التقليد الجميل المفيد، الذي يتم فيه تقديم المسؤولين القضائيين الجدد للرأي العام القضائي، في جو تمتزج فيه الاحتفالية بجسامة المسؤولية. مما يجعل القضاة المحتفى بهم يستشعرون التغيير النفسي الذي سيصاحبهم ابتداء من هذه اللحظة، التي سيشعرون فيها أنهم لم يبقوا مسؤولين فقط عن عملهم وأدائهم .. وإنما أصبحوا مسؤولين عن أداء القضاء بمختلف صوره وأشكاله في دوائر نفوذ اختصاص المحاكم التي عينوا بها.

ولذلك، اسمحوا لي السيد الرئيس المنتدب أن أتقدم إليكم باسمي، وباسم كافة زملائنا قضاة النيابة العامة بجزيل الشكر، من أجل وقوفكم وراء فكرة تنظيم هذه اللقاءات وحرصكم على استمرار انعقادها.
والشكر لكافة السيدات والسادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية على جدية مناقشاتهم للترشيحات، وحماستهم في البحث عن القضاة المناسبين للمسؤوليات المتبارى عليها. وكذلك على روح المسؤولية التي يبدونها في الدفاع عن اختياراتهم وآرائهم، والتي تغلب المصلحة القضائية على سائر المصالح. وهو ما انعكس إيجاباً على الاقتراحات المقدمة لجلالة الملك من طرف المجلس، والتي حظيت بالموافقة المولوية السامية. وهي موافقة تثير الاعتزاز والفخر، ليس لدى القضاة المعينين وحدهم، ولكن كذلك لدى زملائهم، وفي محيط العدالة.

حضرات السيدات والسادة المسؤولين القضائيين الجدد؛

إذا كانت الأصداء، التي أعقبت نشر لوائح تعيينكم، إيجابية على العموم، وتقبلها المواطنون بالكثير من التفاؤل وعلقوا عليها الكثير من الأمل، فإن هذا النوع من ردود الفعل الإيجابية، وإن كان ثمرة لمجهوداتكم السابقة في الحفاظ على صورة القاضي النزيه المحترم، ولما حظيتم به من احترام وتقدير في محيطكم القضائي بالأماكن التي كنتم تشتغلون بها سابقاً، فإنه يعرضكم لتحديات جديدة، تطوقكم بها المسؤوليات التي كلفتم بها من طرف صاحب الجلالة المنصور بالله في الاضطلاع برئاسة بعض المحاكم أو بمهام النيابة العامة بها. وهو ما يفرض عليكم بذل مجهود مضاعف للمحافظة على تلك الصورة الإيجابية التي نلتموها على جدارة واستحقاق من أجل تفانيكم في عملكم واستماتتكم في الدفاع عن مبادئ العدالة والحفاظ على الأعراف والتقاليد القضائية.

وإني إذ أتقدم إليكم جميعاً بأحر التهاني لأجل الثقة الملكية التي حظيتم بها من طرف جلالة الملك، لأذكركم بالالتزامات التي تفرضها عليكم هذه الثقة الغالية. والتي تتطلب منكم القيام بمهامكم القانونية والإنسانية بنكران ذات، وعزم قوي، وإرادة لا تلين. فالمواطنون ينتظرون من عدالتهم أن توفر لهم الأمن القضائي، وأن تؤمن لهم سلامة ذواتهم، وتحصن لهم معاملاتهم، وتضمن لهم حماية ممتلكاتهم، وتحافظ لهم على حقوقهم وحرياتهم التي يكفلها الدستور وينظمها القانون.

وإذا كان انتمائي للسلك القضائي، وعضويتي في المجلس الأعلى للسلطة القضائية يخولان لي حق تقديم النصح والتوصية للسادة رؤساء المحاكم المعينين، فإن مهامي القضائية بالنيابة العامة تلزمني بتوجيه السادة الوكلاء العامين للملك ووكلاء الملك الجدد، إلى ضرورة التمسك بمبادئ العدالة وقواعد الإنصاف والبحث عنها من خلال التطبيق السليم للنصوص القانونية. وأطلب منهم أن يكونوا قريبين من انشغالات المواطنين، يصغون لطلبات المتقاضين، وأن يهتموا بشكاويهم وتظلماتهم. وأن يسعوا إلى نيل ثقة محيطهم. فالعدالة التي لا تقنع الطرف الذي يخسر الدعوى، لا تساعد على تحسين صورتها لدى الرأي العام. ولذلك يتعين بذل جهود أكثر في تفسير المقررات وتوضيح أسبابها للمتقاضين، ليس فقط عبر تعليل الأحكام والمقررات الذي هو واجب قانوني، ولكن كذلك من طرف المسؤولين الذين يستقبلون المشتكين، وذلك بتبسيط الفهم لهم، وتوضيح ما أشكل من معلومات. ذلك أنه إذا ما اقتنع أحد الخصوم في الدعوى بأسباب رفض طلبه أو بمبررات القرار المتخذ وتأثيته القانوني، فإنه قد ينضاف إلى قائمة من يثقون في العدالة. وهذه مرحلة أولى ضرورية للاقتناع بالأحكام القضائية واحترامها.

حضرات السيدات والسادة؛

إذا كان نصف عدد المسؤولين القضائيين الذين يتم تقديمهم اليوم ينتمون للنيابة العامة (16 مسؤولاً)، فإن أكثر من 56% من بينهم يعينون لأول مرة كمسؤولين قضائيين أو في مستوى المسؤوليات الجديدة التي كلفوا بها. فثلاثة من بين خمسة وكلاء عامين للملك يعينون بهذه الصفة لأول مرة، في حين أن اثنين من بينهم تم تغيير أماكن عملهما. كما أن 6 من بين 11 وكيلا للملك تم تعيينهم لأول مرة في مناصب المسؤولية، في حين انتقل الخمسة الباقون إلى محاكم أخرى. وهو ما يعني ضخ دماء جديدة في صفوف النيابة العامة عن طريق تجديد الكفاءات، وتغيير ظروف العمل بالنسبة للبعض الآخر، مما يبعث على مزيد من الاجتهاد لتطوير الأداء وتوفير الظروف المناسبة له. وهذا دليل على إرادة المجلس الأعلى للسلطة القضائية في تجديد النخب، والدفع بالكفاءات المتوفرة إلى مستويات أعلى من تطوير الأداء.

أرجو الله أن يوفقكم في مهامكم، وأن يجعلنا وإياكم عند حسن ظن جلالة الملك، رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، وفي مستوى آمال المواطنين بنا باعتبارنا فاعلين أساسيين في مجال العدالة في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ بلادنا القضائي.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.