كلمة السيد رئيس النيابة العامة بمناسبة إطلاق الحملة التواصلية حول الاتجار بالبشر في المغرب


23 أبريل 2019

حضرات السيدات والسادة؛

تضع رئاسة النيابة العامة مكافحة جريمة الاتجار بالبشر في صلب اهتمامات السياسة الجنائية، في حرص منها على تنفيذ إرادة المشرع المغربي المتجلية في القانون المتعلق بمكافحة الاتجار بالبشر، الذي يوفر إطارا ملائما لزجر المتجرين بالبشر من جهة، ويَُؤَمِّن حمايةً قانونية لضحايا هذه الجريمة البشعة من جهة أخرى. وبالنظر إلى الطابع المختلف لهذه الجريمة عن باقي الجرائم، وتَعَقُّدِ أركانها، وتشابهها مع جرائم أخرى تشترك معها في بعض الخاصيات. ولاسيما الطابع العابر للحدود الوطنية، والأساليب المتطورة التي تستعملها العصابات الإجرامية المنظمة في ارتكابها، والاحتياطات الدقيقة المستعملة من قبل تلك العصابات لتلافي اكتشافها. فإننا نعتقد أن العدالة الجنائية مدعوة لاتخاذ كل التدابير الممكنة لمكافحة الاتجار بالبشر. سيما بالنسبة لبلدنا الذي يَستقطب حركية كبيرة للمهاجرين، سواء الراغبين في العبور نحو أوروبا، أو الذين يستقرون بالمملكة. وفي كلا الحالتين فإن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية تجعلهم فريسة سهلة ليصبحوا ضحايا للاتجار في البشر سواء من طرف شبكات الاتجار في البشر، عن طريق الاستغلال الجنسي أو الجسدي. أو من طرف الوسطاء ووكالات الوساطة في الخدمة في المنازل، التي تستورد العمال من بعض الدول الأجنبية. بالإضافة إلى استقطاب بعض المواطنات المغربيات لتهجيرهن نحو بعض الدول الأجنبية من أجل العمل، ثم سرعان ما يجدن أنفسهن ضحايا لشبكات الاتجار بالبشر.

ومعلوم أن التحدي الأساسي الذي يواجه أنظمة العدالة الجنائية، في العالم بالنسبة لجرائم الاتجار بالبشر، يكمن في التعَرُّف على الضحايا، باعتبارهم الخيط الأساسي للكشف عن المتجرين والإيقاع بهم.

ولهذه الأسباب نص القانون رقم 27.14 في المادة 52.5.1 على وجوب التعرف فورا على ضحية الاتجار بالبشر، وأتاح إمكانية منع المشتبه فيهم أو المتهمين من الاتصال بها أو الاقتراب منها.

غير أن هذه الإمكانيات لا تتحقق إلا بإقدام الضحايا على الإبلاغ عما يتعرضون له من استغلال. وهي مبادرة تعترضها عادة عدة عراقيل. منها ما يتعلق بجهل الضحايا أنفسهم لوضعيتهم كضحايا للاتجار بالبشر، أو لاعتقادهم بأنهم سيتعرضون للمتابعة عن الأفعال المخالفة للقانون التي تورطوا فيها في حالة إقدامهم على التبليغ. بالإضافة إلى خشيتهم وخوفهم من المتاجرين بهم، سيما وأنهم واقعون تحت سيطرتهم، مما يحول دون إقدامهم على التبليغ عن استغلالهم.

ومما يزيد من تعقد هذه الأوضاع، بالنسبة للضحايا، ويسهل الأمر في الوقت ذاته للمتجرين، أن الضحايا يكونون عادة من الفئات الهشة المنحدرة من مستوى اجتماعي وتعليمي متدني، يجهلون حقوقهم وواجباتهم. كما أن السيطرة التي يخضعون لها من طرف المتاجرين فيهم، تجعلهم في أوضاع نفسية تسلبهم القدرة على الاحتجاج أو التمنع، وبالتالي الإبلاغ.

ولذلك فإن مكافحة جريمة الاتجار بالبشر، تطرح على السياسة الجنائية تحديات استثنائية تدعو إلى تهيئ سلطات البحث والتحري للتعرف على ضحايا هذه الجريمة من جهة. كما تتطلب تشجيع الضحايا أنفسهم، وعامة الأشخاص في المجتمع على التبليغ عن هذه الجريمة. وتحسيسهم بخطورتها، وتعريفهم على أركانها والوسائل التي ترتكب بها. وطمأنة الضحايا على وضعيتهم وعلى حمايتهم.

ونعتقد أن التعريف بالجريمة، وبأركانها وأساليبها وبأنواع الحماية المقررة لضحاياها، بات حلقة ضرورية لكي تتمكن السياسة الجنائية من القيام بمهمتها الردعية في المجتمع. ولهذا السبب تطلق رئاسة النيابة العامة، ابتداء من اللحظة حملة تواصلية مع الرأي العام للتحسيس بجريمة الاتجار بالبشر والتعريف بها، من أجل تحرير ضحايا هذه الجريمة من الخوف، وتشجيعهم على تبليغ السلطات والتماس حمايتها.

ولذلك سنعرض عليكم بعد قليل شريطين مصورين تم إنجازهما بتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين :

الأول : عبارة عن وصلة تحسيسية، تعرف بجريمة الاتجار بالبشر وتحدد أركانها والوسائل المستعملة لارتكابها، وتدعو إلى التبليغ عنها. وإذا كان الشريط الذي سيعرض عليكم يستغرق أكثر من 4 دقائق، فإنه لضرورات استعمال الشبكات الإعلامية المرئية، تم وضع نسخة مختصرة منه في أكثر من دقيقتين اثنتين، لتحقيق نفس الغاية.

وأما الشريط الثاني، فهو عبارة عن فيلم وثائقي يجسد حكايات واقعية للاتجار بالبشر يرويها بعض الضحايا. كما يعرف بالآليات المتوفرة للتكفل بضحايا الاتجار بالبشر ولاسيما من النساء والأطفال، وبالخدمات التي تقدمها الخلايا القضائية للتكفل بالنساء والأطفال في هذا الصدد.

وإني إذ أحي منظمة الأمم المتحدة للمرأة والمساواة بين الجنسين على التعاون المثمر، لأتوجه بخالص الشكر لممثلتها على المستوى المغاربي، السيدة ليلى الرحيوي، التي تعطي عناية خاصة لإنجاح برامج التعاون مع رئاسة النيابة العامة. مما أدى إلى بلورة وتنفيذ عدة مشاريع للتكوين وتحسيس أعضاء النيابة العامة والقضاة وضباط الشرطة القضائية بأهمية دورهم في حماية المرأة.

كما أتوجه بالشكر إلى كافة الحاضرين، الذين يعد حضورهم بيننا اليوم دعماً لقضايا حقوق الإنسان، ومساهمة في نشر ثقافة حمايتها.

كما أود أن أشكر جميع وسائل الإعلام، راجياً أن تتفضل بوضع الوصلة الإشهارية رهن إشارة المواطنين والمقيمين على أرض المغرب من غير المواطنين لتحسيسهم بجريمة الاتجار بالبشر وتشجيعهم على التبليغ عنها. وهي رسالة إنسانية تسائل كل ضمير حي.

وأؤكد، إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد أن رئاسة النيابة العامة عازمة على بلورة وتنفيذ التوجيهات الملكية “بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحماية النظام العام والعمل على صيانته، في ظل التمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف”. مساهمة منها في تدعيم دولة الحق والقانون القائمة على مبادئ العدل والإنصاف والحكامة الجيدة، في إطار أحكام الدستور والقانون الوطنيين، وباحترام تام للمواثيق الدولية ولحقوق الإنسان.

أشكركم على حضوركم.

والسلام عليكم وحمة الله تعالى وبركاته.