بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
“إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً لِّيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقيماً، وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً”
صدق الله العظيم
اسمحوا لي في البداية أن أتوجه بالشكر الجزيل إلى حضرة صاحب الجلالة والمهابةِ الملكِ محمد السادس المؤَيَّدِ بعنايةِ الله، على دعم جلالته لاستقلال السلطة القضائية، وحرصِهِ على إرساء قواعدِها على أرضية صلبة، حتى تتمكن هياكِلُها المختلفة من تطبيق القانون بحزم وحرص، وفقاً لمبادئ العدالة والإنصاف وسيادة القانون، مع الحرص على توازن الحقوق والواجبات، بما يضمنُ الحمايةَ للأمن والنظام العام وسكينة الوطن وساكنته.
ويعلمُ المواطنون جميعاً أنَّنا بفضل الدَّعم الملكي نجتمع اليوم في هذا البيت … “بَيْتُ النيابة العامة“، الذي ما كان ليكون جاهزاً لاستقبال ضيوفنا الكرام من المواطنين والأجانب لَوْلاَ الحرصُ الملكي على تسريع وثيرة دراسةِ مشروع القانون المتعلق برئاسة النيابة العامة من طرف البرلمان، وتعليماتُ جلالَتهِ السامية بشأن إيجادِ مقرٍ لائقٍ لهذه المؤسسة القضائية الهامة كما جاء في بلاغ المجلس الوزاري المنعقد بالقصر الملكي العامر بمدينة الدار البيضاء يوم 25 يونيه الماضي.
وإذْ نؤكد على حاجتنا المستمرة للدعم الملكي، فإننا نُعَبِّر عن اعتزاز قضاة ورئاسة النيابة العامة بالرعاية الملكية التي شمل بها جلالته هذا الحفل، ونقدرها حقَّ قدرها، ونؤكد العَزْم على العمل ليل نهار لاستحقاق الثقة المولوية الغالية لِخدمَتِنَا لقضايا الوطن، وتفانينا في الاهتمام بمطالب المواطنين من آليات العدالة، في إطار ما خوله لنا القانون من صلاحيات وأسنده لنا من سلطات.
حضرات السيدات والسادة؛
ضيوفنا الكرام؛
إن تشريفكم لنا اليوم بالحضور، ومن بينِكُم مَنْ قَطَعَ مسافات طويلة ليكون مع قضاةِ النيابة العامة في احتفائهم بهذا الحدث التاريخي المرتبط باستقلال هذه المؤسسة القضائية عن كل تأثير سياسي، ليُعَدُّ دعماً لاستقلال السلطة القضائية وإسهاماً في تقوية هياكلها، يستلزم مني، كرئيس للنيابة العامة، أصالة عن نفسي ونيابة عن جميع قاضياتها وقضاتها الألف، أن أشكركم واحداً واحداً وأعبر لكم عن امتنانِنَا العميق لحضوركم، وتقديرِنَا البالغِ لمشاركتكم، والتي يعتبِرُها جميعُ أعضاءِ النيابة العامة موقفاً مسانداً لاستقلال النيابة العامة كمُكَوِّن أساسي من مكونات السلطة القضائية ببلدنا العزيز. فشكراً لكم جميعاً.
حَضرات السيدات والسادة؛
ابتداء من منتصف الليلة القادمة سَتُولَدُ ببلادنا مؤسسةٌ قضائيةٌ جديدةٌ يتم بها استكمالُ البناءِ الدستوري للسلطة القضائية المستقلة، التي انضافت إلى السلطتين التشريعية والتنفيذية لتكونَ واحدةً من أهم الجواهر الحقوقية التي أتى بها دستور المملكة الحالي، الذي نال موافقة الأغلبية الساحقة للمغاربة في استفتاء فاتح يوليوز 2011.
تخْرُجُ مؤسسةُ النيابة العامة اليوم من حِضْن وزارة العدل لتُعَانق استقلالها عن السلطتين التشريعية والتنفيذية بإرادةٍ مشتركة بين جلالة الملك والمواطنين المغاربة.
فقد كان جلالَتُه قد أعلن في خطاب 9 مارس 2011 المؤسس لصياغة الدستور الجديد : أن القرار الملكي بالتعديل الشامل لدستور 1996 يَسْتَنِدُ إلى سبعِ مرتكزاتٍ أساسية من بينها الارتقاءُ بالقضاء إلى سلطةٍ مستقلة (المرتكز الثالث) وتوطيدُ مبدأ فصل السلطِ وتوازُنِها وتعميقُ دَمَقْرَطةِ وتحديثِ المؤسسات وعقلنتِها (المرتكز الرابع). وقد ظهرت نتائج هذه التوجيهات الملكية في صُلْب دستور فاتح يوليوز 2011 الذي حاز موافقة الناخبين المغاربة.
وكما تعلمون فإن الفصل 107 من الدستور قد نص على كون السلطة القضائية مستقلةً عن السلطة التشريعية وعن السلطة التنفيذية وأن الملكَ هو الضامنُ لاستقلال القضاء.
وإذا كان الباب السابع من الدستور المخصَّصُ للسلطة القضائية قد شمِل وضعية القضاة جميعاً سواء كانوا قضاةً للأحكام أو قضاة للنيابة العامة، فإنه قد نصّ في الفصلين 110 و116 على تبعية قضاة النيابة العامة لسلطة رئاسية تسلسلية، يراعى المجلس الأعلى للسلطة القضائية تقاريرَ التقييمِ التي تقدمها بشأنهم حين تدبير وضعيتهم المهنية.
وهذه السلطة الرئاسية هي التي خول لها الدستور أمر تسيير مهام النيابة العامة وتولي الرئاسة على كافة أعضائها.
وإذا كان الدستور الذي أحدث هذه السلطة Autorité لم يسميها صراحة، فإن القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية (رقم 100.13) قد نصَّ على تولي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض الاضطلاعَ بمهامها. حيث نصت الفقرة الأخيرة من المادة 66 من هذا القانون التنظيمي أنه : “… تطبيقاً لأحكام الفقرة الأخيرة من الفصل 116 من الدستور، يراعي المجلس (الأعلى للسلطة القضائية) بالنسبة لقضاة النيابة العامة، تقارير التقييم المقدمة من قبل الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيساً للنيابة العامة“. وأكدت المادة 110 من نفس القانون هذا الاختيار حين نصت على أن المجلس الأعلى للسلطة القضائية يتلقى تقارير الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض بصفته رئيسا للنيابة العامة حول تنفيذِ السياسة الجنائية وسيرِ النيابة العامة.
بالإضافة إلى ما نصت عليه المادة 25 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة من وَضْعِ قضاة النيابة العامة تحت سلطةِ ومراقبةِ الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض ورؤسائهم التسلسليين.
أيتها السيدات؛
أيها السادة؛
إن النيابة العامة رغم استقلالها عن السلطتين التنفيذية والتشريعية، باعتبارها مُكَوِّناً هاماً من مكونات السلطة القضائية، هي جزءٌ من سلطات الدولة، التي وإن كان الدستور ينص على فَصلها، فإنّه يُقَرُّ توازنَها وتعاونَها لما فيه مصلحةُ الوطن والمواطنين. وسلطاتُ النيابة العامة بالإضافة إلى ذلك، مؤطرةٌ بإطار صارمٍ يحدده لها القانون الذي يحكم كل تدخلاتها. هذه التدخلات التي تخضع للمراقبة الفورية والصارمة للقضاء، مما يجعل كل قراراتِ أعضائِها محلَّ رقابةٍ قضائية تَحُولُ دون كل إساءة لاستعمال السلطة، باعتبار القاضي هو الذي يتولى “حمايةَ حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي، وتطبيق القانون“، بالنص الصريح للفصل 117 من الدستور. ولذلك فإن جميع قرارات النيابة العامة تخضع لهذه المراقبة القضائية سواءً تعلقت بالحد من الحريات بما فيها الاعتقال الاحتياطي أو بغيرها من القرارات، حيث يُحَدِّدُ القانون آجالاً قصيرة لمثول المعتقلين أمام المحكمة التي يمكنها وضعُ حدٍّ للاعتقال ولكافةِ التدابير والإجراءاتِ الأخرى التي قد تكون النيابة العامة قد أمرتْ بها.
كما أن رئاسة النيابة العامة ليستْ بمنأى عن المساءلةِ والمحاسبة التي نص عليها الدستور. والتي وإنْ كانتْ لا تتم بنفس الأدوات وبذات الآليات التي تتم بها بالنسبة للسلطات الأخرى بالنظر لاستقلال السلطة القضائية عن السلطتين الحكومية والبرلمانية، كما نص على ذلك قرار المجلس الدستوري السابق رقم 991.16 (15 مارس 2016)، الذي أضاف أنَّ “الوكيلَ العامَ للملك المعهودُ إليه بترؤس النيابة العامة، يظلُّ مسؤولاً عن كيفية تنفيذه للسياسة الجنائية، وذلك أمام السلطة التي عينته المتمثلةِ في رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية (جلالة الملك)، وكذا أمام هذا المجلس الذي يتعين عليه أن يقدم له تقارير دورية بشأن تنفيذ السياسة الجنائية وسير النيابة العامة“.
ونؤكد اليوم – إن كان الأمر يحتاج إلى تأكيد – التزامَنَا بالدستور وبالقوانين وفي مقدمتها القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وبأن نُطَبِّقَ القانونَ الذي هو إرادةُ المغاربة جميعا، والتي يعبرون عنها بواسطة سلطتهم التشريعية تطبيقاً صارماً، وأن نتمسك بتنفيذ السياسة الجنائية التي يقرها المشرع بمقتضى القوانين باعتباره المختصَ بوضعِ هذه السياسة، كما نص على ذلك قرار المجلس الدستوري السالف الذكر، حين أكد أن “المشرع، باعتباره المختص بوضع السياسة الجنائية يحق له تتبعُ كيفياتِ تنفيذ هذه السياسة قصد تعديل المقتضيات المتعلقة بها وتطويرها إن اقتضى الأمر ذلك … (يحق له تدارسَ تقارير الوكيل العام للملك) والأخذَ بما قد يرد فيها من توصيات، مع مراعاة مبدأ فصل السلط والاحترام الواجب للسلطة القضائية المستقلة”.
وسيكونُ رائدُنا في ذلك التمَسُّكَ بتعليمات جلالة الملك التي وجهها لنا بمناسبة تعييننا وكيلاً عاماً لجلالته يوم ثالث أبريل الماضي بصفتنا “رئيساً للنيابة العامة والمسؤولَ القضائي الأول عن حسن سيرها”، حيث أمرنا صاحبُ الجلالةِ بالدفاع عن الحق العام والذود عنه، وحمايةِ النظامِ العام والعملِ على صيانتِه” متمسكين نحنُ وسائرُ القضاة العاملين تحت إمرتنا “بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف” التي ارتآها جلالة الملك “نهجا موفقاً لاستكمال بناء دولة الحق والقانون، القائمة على صيانة حقوق وحريات المواطنين، أفراداً وجماعات، في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات” (انتهى النطق الملكي السامي).
وهي تعليمات واضحة ترسم لنا خُطَّةً للعمل وإطاراً لتصريف أشغال النيابة العامة لتكُونَ في خدمة المملكة المغربية والمواطنين المغاربة، حريصةً على أمن الوطن، مساهمة في صيانة طُمَأْنينَةِ ساكنتِه من المواطنين والمقيمين، حاميةً لحقوقهم وحرياتهم، بدون مفاضلةٍ ولا تمييزٍ على أساس سياسي أو نقابي أو عِرْقِي أو اجتماعي، وإنما بناء على ما تحدده الوضعيات القانونية لكلِّ طرفٍ وما يمنحه التشريع من حقوق وما يفرضه من واجبات فقط.
إن استقلال النيابة العامة لا يعني انفصالَهَا المُطْلَقَ عن الدولة، ولكن يعني عدم الخضوع لتَوَجُّهَاتِ حزبٍ من الأحزاب أو جماعةٍ من الجماعات، أو الانسياقِ وراءَ إيديولوجيا من الإيديولوجيات، والتقيدِ بما تمليه القوانين من أحكام والانخراطِ في معركة الدفاع عن القيم العليا للوطن والحفاظ على حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم، وحمايةِ مقدسات البلاد والمبادئ المثلى للإنسانية، ومعاداة الجريمة والمجرمين ومكافحةِ أنشطتهم دون كلَلٍ ولا مَلَلٍ حتى تنتصرَ قيَّمُ العدالة والإنصاف ويستقيمَ تطبيقُ قواعدِ الديمقراطية.
استقلال النيابة العامة لا يعني أنها حرّةً في القيام بما تريد بمنأى عن كل مساءلة أو محاسبة، ولا عدمَ اعتبار حقوق الأفراد والجماعات ولا عدمَ التعاونِ مع مؤسسات الدولة والمجتمع لما فيه خيْرُ الوطن والمواطن، وإنما يعني – هذا الاستقلال – أن النيابةَ العامةَ لن تكون أداةً طيعةً في يد شخصٍ أو جماعةٍ ضد أشخاصٍ أو جماعات أخرى، ولا سلاحاً سهْلَ الاستعمال في متناولِ جهةٍ ضد جهات أخرى … وإنما تَكُونُ أداةً في يد القانون ضدَّ من يخالفونه وسلاحاً في يدِ الوطن ضد من يستهدفونه.
هكذا نفهم استقلال النيابة العامة؛
وهكذا سنعمل على توجيه قضاتها وقاضياتها للدفاع عنه وفقا للقانون … ليكونوا خصوماً للمخالفين للقانون والعابثين بحقوق وحريات الأشخاص، ليكونوا قناديلَ تُضيءُ الطريقَ في دروبِ العدالة المملوءة بالسراديب الشكلية والإكراهات الاجتماعية والثقافية، وبعض السلوكات البشرية المنحرفة …
أيتها السيدات، أيها السادة؛
إن النيابة العامة لا تعادي إلاَّ من عاداهُ القانون ولا تخاصمُ إلاَّ من اعتدى على سكينةِ المجتمع … فهي سلاحُ المواطنين في مواجهةِ الجريمة ومحاميهم أمام المحاكم.
هذه المؤسسةُ أثارت إعجاب كبار المفكرين. حتى وصفها مونتسكيوه بالرائعة والمدهشة.
وقد عرَفَها النظامُ القضائي المغربي منذ أكثر من قرن من الزمن (سنة 1912). ومنذ ذلك التاريخ وهي تقوم بالدور الذي حدده لها القانون باعتبارها هيئة قضائية مكلفة بالبحث والتحري عن الجرائم والإشراف على عمل الشرطة القضائية وتمثيل المجتمع أمام المحاكم التي يعتبر أعضاء النيابة العامة جزءً من تشكلتها، وممارسة طرق الطعن في الأحكام الزجرية وفي بعض الأحكام الأخرى التي تكون طرفاً فيها والإشراف على تنفيذ العقوبات.
وقد أضاف إليها المشرع عبر مراحل وجودها مهام أخرى مختلفة كالصلح الجنائي وحماية الأسرة وتتبع سلامة تدبير المقاولة في بعض الأحوال … وخلال ما مضى من عمرها كانت النيابة العامة موضوعة تحت سلطة وزراء العدل والذين كانوا في أغلب الفترات قبل دستور 2011، يُعْتَبَرُون من جُمْلَةِ وزرَاء السيادة الذين لم يَكُنْ تعيِينُهُم يَخْضَع للمقاييس الحزبية السياسية المتعارف عليها ضماناً لعدم استعمالها لفائدة فريق سياسي ضد آخر، وحرصاً على عدم تسييس قراراتها لاعتبارات حزبية أو سياسية، ورغم ذلك فقد تم انتقاد أدائها في بعض الفترات لمثل هذه الأسباب.
واليوم اختار المغرب – تنفيذا لمبدأ استقلال السلطة القضائية عن السلطتين التنفيذية والتشريعية – أن يُرَسِّخَ هذا الاستقلال بإسناد رئاسة النيابة العامة لعضو من الهيأة القضائية نفسِها، يعيِّنُه جلالة الملك بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للقضاء والضامنَ لاستقلال السلطة القضائية (الفصل 107 من الدستور). وبذلك تَدْخُلُ النيابة العامة عهداً دستورياً جديداً يرادُ منه ضمانُ حِياد القضاء والنأيِ بممارساته عن كل استغلال سياسي. والمغربُ – بهذا الاختيار – يكون قد انضم إلى أعرق النماذج الديمقراطية في العالم التي بوأتِ القضاء مكانةَ سلطةٍ دستورية قائمةِ الذات.
ولذلك فإن مؤسسةَ رئاسةِ النيابة العامة تدْخُلُ منذ اليوم في معركةٍ لكسب هذا الرهان الديمقراطي، الذي لن يكون كسْبُه سهلاً ولا طريقه مفروشاً بالورود. وإنِّي وكافةُ زملائي قضاةُ النيابة العامة وَاعُونَ بصعوبة هذا الرهان، وسنعمل – إن شاء الله – مسنودين بدعم جلالة الملك – رئيسِنَا المباشر – على ربح هذا الرهان وكسْبِ ثقة المغاربة بتجسيد نيابة عامة تُمَثِّلُ المجتمع المغربي وتعمل على تطبيق القوانين، وتعطي الأولوية للقضايا التي تشغل بال المواطنين في حماية أمنهم واستقرارهم وفرضِ هيبةِ مؤسساتهم وحفْظِ أخلاقِهم العامة وممارساتهم المشروعة، وحمايةِ المال العام والمنافسةِ المشروعة، ومحاصرةِ الظواهر الإجرامية المختلفة.
وسنبذُل كلَّ جُهْدِنا لتعْمَلَ النيابةُ العامة لفائدة الوطن ولحمايةِ حقوقِ وحريات الأشخاص والجماعات في إطارِ الوضوح والشفافية والمساواة التي يَكْفُلُها القانون. وسنواصلُ العملَ الذي تقوم به النيابة العامة ونسعى لتحسينه وتطويره في مجالاتِ مكافحة الجريمة وحماية الضحايا وتوفير شروط المحاكمة العادلة. كما سنعطي دفعة أكبر لتطوير التعاون الدولي في مجال محاربة الجريمة ولاسيما الإرهاب والجرائم العابرة للحدود في إطارِ ما تنصُّ عليه الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف التي أبرمتها بلادنا مع الدول الأجنبية وفي إطار الشراكات المؤسسية المعقودة مع النيابات العامة ببعض الدول الصديقة.
نؤكد عزمنا على العمل لفائدة النظام العام بمفاهيمه الأمنية والأخْلاقية والاجتماعية دون انحيازٍ لحزب أو جهة نقابية أو لنسيج جمعوي أو تكتل اقتصادي أو مالي … وإنما بالانحيازِ للقانون ودفاعاً عن مصالح الوطن والمواطنين، في احترامٍ تامٍ للمؤسسات الدستورية والقانونية القائمة. وذلك لنجعلَ من النيابة العامة مؤسسةً فاعلةً في ضمان الأمن والاستقرار بالبلاد، ساهرةً على تخليقِ الحياةِ العامة وشفافيةِ التدبير الإداري، داعمةً لترسيخ البنيانِ الديمقراطي مُسَاهِمَةً في توفير المناخ الملائم للنمو الاقتصادي والاجتماعي وتشجيع الاستثمار وحماية الممتلكات، مدافعةً عن هبة الدولة ومؤسساتها؛ وعن الحق والنظام العام وعن استقلال القضاء، وحمايةِ الحقوق والحريات التي يكفلها الدستور للأفراد والجماعات، نشيطة في التعاون مع المؤسسات.
وإني لأنتهز هذه المناسبة لأدعوَ جميعَ أعضاءِ النيابة العامة إلى التَحَلِّي بالضمير المسؤول الذي اعتبره جلالةُ الملك، في خطاب العرش للسنة الرابعة عشرة، المِحَكَّ الحقيقي لإصلاح القضاء. وأن يحرصوا على تسيير محاكمهم كما يحرصون على بيوتهم ويرعون مرؤوسيهم كما يرعون أبناءهم بالتربية الصالحةِ وإعطاءِ القدوةِ الحسنة والحرصِ الشديدِ على الاستقامةِ والنزاهةِ والتفوق، وأن يقدموا للمتقاضين والمرتفقين الخدماتَ في أسرعِ الأوقات وبالجودةِ اللازمة، بالطريقةِ التي يُحِبُّون هُمْ أنفُسُهُم أن تُقَدَّمَ لَهُمْ بها الخدماتُ في المرافق العمومية.
وإني لأعتبر السادة الوكلاء العامين للملك لدى محاكم الاستئناف بالمملكة مسؤولين عن سَيْر النيابات العامة بدوائر نفوذهم وعن سلوك كافة أعضائها، وأدعوهم جميعاً إلى خدمة المواطنين وحماية التوازن بَيْن الحقوق والواجبات، وأطلبُ منهم أن يكونوا عيْناً للعدالة والإنصاف تتصدَّى لكلِّ العيوبِ والانحرافات وتُقَاوِمَ كل الاختلالات، وأن يتصدُّوا بحزم لكل مظاهر الإخلال والانحراف، وأن يفتحوا مكاتبهم لاستقبال المشتكين ويهتموا بشكاياتهم وأن يخصصوا لذلك أحسنَ العناصر البشرية التي تساعدهم، وأن يفتحوا جسوراً للحوار البَنَّاء مع كل شركائنا في ميدان العدالة للتغلب على المشاكل ولتحسين ظروف العمل وتطوير أساليبه، وأخص بالذكر الهيئات القضائية ومصالح كتابة الضبط وهيئة الدفاع ومصالح الشرطة القضائية والسلطات المحلية والمنتخبة والهيئات المهنية المنظمة العاملة في مجال العدل وهيئات المجتمع المدني.
أيتها السيدات والسادة؛
لابد أن تعلموا أننا في هذه الفترة في مرحلة تأسيس الإدارة الجديدة لرئاسة النيابة العامة والتي يَتَطَلَّبُ اكتمالُ بنائِها بعْضَ الوقتِ من أجل إتمام تجهيز المقر و وضع الهياكل الإدارية اللازمة لتسيير عمل النيابة العامة بالوطن، وتوفير الموارد البشرية الضرورية لذلك. مما يستدعي منِّي أن ألتمس من المواطنين تَفَهُّمَ هذه الوضعيةَ الخارجةَ عن إرادتنا والتي سيتم تجاوزها قريباً إن شاء الله.
كما أن الحديث عن ذلك يستدعي مني توجيه الشكر للسيد رئيس الحكومة، ولباقي أعضائها، ولاسيما إلى السيد وزير العدل الأستاذ محمد أوجار ولأطر وزارته وللسيد وزير الاقتصاد والمالية السيد محمد بوسعيد ولأطر تلك الوزارة وكذلك للسيد الأمين العام للحكومة السيد محمد الحجوي ومساعديه الذين بذلوا جهداً مضنيا لمواكبة تأسيسنا لرئاسة النيابة العامة وقدَّمُوا لنا الدعم اللازم لنكون جاهزين اليوم لهذه الانطلاقة التاريخية.
وما كان هذا الجهد ليؤتي أكْلَهُ لَوْلاَ حِرْصُ البرلمان المغربي على إعطاءِ الأولوية لبَرْمجة القانون المتعلق برئاسة النيابة العامة (17-33) والذي مكننا من التوفر على الإطار القانوني لتوفير الهيكلة الإدارية وآليات العمل المادية اللازمة لتصريف الأشغال. وهي مناسبة لأن أشكر السيدين رئيسي مجلسي النواب والمستشارين والسيدات والسادة النواب والمستشارين على دعمهم لاستقلال السلطة القضائية وتفهمهم لإكراهات الجدولة الزمنية.
ولا يمكنني أن أختم هذه الكلمة دون تقديم شكر خاص للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ولزميلاتي وزملائي أعضاء هذا المجلس على دعمهم لجهود الوكيل العام للملك في تأسيس رئاسة النيابة العامة في الإبان الذي حدده لها القانون للاضطلاع بمهامها وفقا للتوجيهات الرشيدة لرئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية صاحب الجلالة المؤيد بنصر الله وتوفيقه.
وأخيراً لابد من التنويه بمساعدي رئيس النيابة العامة الذين واصلوا الليل بالنهار لنكون في الموعد، وسيواصلونَهُ إن شاء الله لنكون عند حسن ظن جلالة الملك بنا وفي مستوى تطلعات الشعب المغربي. وشكراً لمن سهروا وساعدوا على تنظيم هذا الحفل.
بسم الله الرحمان الرحيم
“وقَالَ ارْكَبُوا فيها، بِسْمِ الله مَجْرَاهَا ومُرْساها إنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رحيمٌ”
صدق الله العظيم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه
السيد الرئيس الأول والسادة رؤساء الغرف و المستشارون ؛
في يومٍ تاريخي مثلَ هذا اليوم، الذي تُقْدِمُ فيه محكمَتُكُم الموقرة على تنفيذ الأمر المولوي السامي بتنصيبي وكيلاً عاماً لجلالة الملك لدى محكمة النقض.
وفي لحظة مباركة كهذه يلتئم فيها هذا الحشدُ الكريمُ من رجالات الدولةِ وكبارِ قضاةِ المملكة، غداة تأسيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية، لا أجدُ فكرةً أستهلُ بها هذه الكلمة خيراً من مقولة جلالة الملك حفظه الله التي افتتح بها أشغال المجلس الأعلى للقضاء بتاريخ 15 دجنبر 1999، إذ قال حفظه الله :“إن العدالةَ؛ كما لا يخفى، هي الضامنُ الأكبرُ للأمنِ والاستقرارِ والتلاحمِ الذي به تكونُ المواطنةُ الحقّة. وهي في نفسِ الوقتِ مؤثِّرٌ فاعلٌ في تَخليق المجتمع وإشاعةِ الطمأنينةِ بيْن أفراده وإتاحَةِ فُرَصِ التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي وفتح البابِ لحياةٍ ديمقراطيةٍ صحيحةٍ تُمكِّن من تحقيقِ ما نصبو إليه من آمال”
. – (انتهى النطق الملكي الكريم)-.
السيد الرئيس؛
إنّ مؤسسةً مُنَاطٌ بها هذا الدورُ العظيمُ في حياةِ أمةٍ من الأمم، لهي بلا ريب منْ أعظمِ المؤسسات في الدولة، لأنها تضمنُ الأمنَ والاستقرارَ، وتُسْهِم في تلاحُمِ المواطنين، وتؤثِّر على تخليقِ المجتمع وشفافية المؤسسات الأخرى، و توفر المناخ الملائِم للنمو والتطور الاقتصادي والاجتماعي وتُشْرِعُ الأبوابَ للحياةِ الديمقراطية الصحيحة.
ولذلك فلا يسعني، السيد الرئيس والسيداتُ والسادةُ أعضاءُ هيئةِ المحكمةِ الموقرين، سوى أن أنحني إجلالا وتقديراً للنساءِ والرجال الذين يحملون مشعل العدالة ويَمْضُون بلا هوادة في بناء صرْحِها الشامخ، لتكون عند حسن ظن صاحب الجلالة والمهابة بها، في تحقيق آمال وتطلعات المغاربة.
وأُعلِن أمامكُم عن التزامي بالقسم الذي أديته بين يدي جلالة الملك، وأن أكون إن شاء الله حريصاً على الوفاءِ لقيمِ العدالةِ ومبادئِ الإنصاف، منتصراً للمصالح العليا للوطن والمواطنين، وأن أجعلَ من مؤسسةِ النيابة العامة أداةً فعالةً لمكافحةِ الجريمة والمجرمين، صوتاً للضحايا والمظلومين، وأداةً تساهم إلى جانب باقي مؤسسات الدولة الأخرى في تخليق الحياة العامة وشفافية التدبير الإداري في كل ما ينيطُهُ بها القانون من صلاحيات.
ومن هذا المنبر الموقر، أعلن باسم أعضاء النيابة العامة عن دعم استقلال القضاء والدفاع عن مؤسسات الدولة، والحرصِ على حماية الحقوق والحريات التي يكفلُها الدستور للأفرادِ والجماعاتِ وأمُدُّ يدي، للتعاون البنَّاءِ لما فيه صالحُ المواطنين، مع كل المؤسسات القضائيةِ والهيئاتِ والأشخاصِ، ولا سيما الهيئةَ القضائيةَ وهيئةَ الدفاع وباقي المهنِ القضائية ومصالحِ الشرطةِ القضائية ومنظمات المجتمع المدني. ولسوف نفتح إن شاء الله، في الوقت المناسب، حواراً مع مختلف الفعاليات المهتمة بشأن العدالة، غايتُهُ وضعُ برنامج واقعي لتدخلِ النيابة العامة، لتحقيق الأهداف المسَطَّرة في الخطاب الملكي ل 20 غشت 2009، وذلك عَقِبَ انتقالِ سلطةِ تسييرِ هذه المؤسسة إلى الوكيل العام للملك المقررةِ بعْدَ قرابةِ ستة أشهر من اليوم … وأننا سنشرعُ في الأيامِ القادمةِ في مباشرة الإجراءات مع الجهات المعنية والمختصة لتوفير مقرٍ لرئاسةِ النيابةِ العامة والإطارِ البشري والمادي والتنظيمي اللازم لها لمباشرة عملها، مؤملين أن نجد السند والدعم في ذلك حتى يحدث انتقال السلطة في ظروف جيدة تضمن استمرار المؤسسات وتلافي الفراغ، في احترام تام لتوجيهات جلالة الملك النيرة.
ولا شك أنني سأجد كل الدعم في صديقي الكبير الأستاذ محمد أوجار وزيرِ العدل لتدبير المرحلة الانتقالية لغاية تسليم السلط في مطلع شهر أكتوبر المقبل إن شاء الله لما يتوفر عليه من خصال وما حباه الله من صفات. كما أعلن عن كامل استعداد النيابة العامة للتفعيل الناجع لمقتضيات الفصل الأول من الدستور للتعاون البناء مع جميع السلطات من أجل ضمان استمرار انسجام أدائها داخل هذه الدولة المحروصة بعناية الله تحت قيادة جلالة الملك.
السيد الرئيس الأول المحترم والسادة رؤساء الغرف والمستشارون المحترمون؛
إن اللحظة التي نعيشها، لحظةً تاريخيةً بكل المقاييس .. ففي أسبوع واحد نصَّب جلالةُ الملك المؤيدِ بنصر الله، إلى جانب الحكومة، المحكمةَ الدستوريةَ التي ستضطلع لاحقاً باختصاص جديد يتيح للمتقاضين الطعنَ أمامها بعدم دستورية القوانين، وهو ما يعتبر ثورة حقوقية حققها دستور 2011. كما تمَّ تنصيبُ المجلسِ الأعلى للسلطةِ القضائية الذي يُعْتَبَرُ تاريخُ تنصيبه يوم 6 أبريل 2017 هو تاريخُ ميلادِ سلطةٍ قضائيةٍ جديدة في الدولة، مستقلةٍ عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وقليلٌ من الدساتير حققتْ مثلَ هذا الإنجاز العظيم.
وإنني بصفتي عضواً في هذا المجلس سأساندُ كل المواقفِ والقراراتِ الرامية إلى تكريس استقلالِ السلطة القضائية، والذي لنْ تتحقق دونَ انخراطِ جميع القضاةِ في بناء لبناته مُوَحَّدِين بالمبادئ السامية للعدالة التي أقسموا على الوفاء لها، والمتمثلةِ في الحياد والنزاهة والتجرد. ولذلك أدعو جميع زملائي إلى نبذِ الفرقة والانقسام، والاتحادِ على هذه المبادئ والعملِ سويةً على تنفيذ توجيهات جلالة الملك رئيس هذه السلطة، من أجل استحقاق الثقة الغالية التي وُضِعَت فيهم، واستحقاقِ شرف تسيير مجلسها الأعلى إلى جانب ثلة من خِيرَة الكفاءات القانونية والحقوقية في بلادنا المصونة بعناية الله.
السيد الرئيس الأول والسادة رؤساء الغرف والمستشارون؛
اسمحوا لي أن أوجه عبارات الشكر والامتنان والعرفان لكل الشخصيات التي لبت الدعوة لحضور هذه الجلسة الرسمية. وقد كان بودي أن أخاطبهم بأسمائهم وصفاتهم واحدا واحداً، ولكن الأعراف القضائية الراسخة تقتضي أن تكون هيئة المحكمة وحدها المخاطبُ أثناء انعقاد مجالس القضاء، ولذلك فإنني أشكرهُم جميعاً، وأشكرُ كل من هنأوني بالثقة الغالية التي وضَعَهَا جلالة الملك حفظه الله في شخصي المتواضع، وفي مقدمتهم صديقي العزيز السيد مصطفى مداح الوكيل العام للملك السابق الذي يُعتبر من خِيرة قضاة النيابة العامة كما يَشْهَدُ بذلك عطاؤُه الغزير ومنجزاته التي حققها خلال السنوات التسع الأخيرة التي قضاها بهذه الدار بصفته وكيلاً عاماً لجلالة الملك لدى محكمة النقض، وأتمنى له التوفيقَ والسعادةَ فيما يُستقبل من الأيام. كما أحيي السادةَ الوكلاءَ العامين السابقين لهذه المحكمة وهم من عظماء القضاة وأعلامِهِم، وأترحَّمُ على من قضى نحبه منهم، وأدعو للأحياء بالصحة والسعادة.
ولابد أن أستحضر في هذه اللحظة السادة وزراء العدل الذين تشرفت بالعمل إلى جانبهم وأخص بالذكر من بينهم عَالَمَيْن بارزين من قيادات بلدنا هما السيد الرئيس عبد الواحد الراضي والسيد وزير الدولة المصطفى الرميد اللذين كانا – خلال فترة عملي إلى جانبهما – السند الداعم للمديرية التي كنتُ أسيرها. ولأنني عاجز عن الوفاء لهما بحقهما في كلمات قليلة كما يقتضي المقام ذلك، فإنني أكتفي بأن أقول لسيادتهما : شكرا لكما على المقام الخاص الذي خصصتموه لشخصي المتواضع والذي كنت أشعر فيه بالعمل مع أصدقاء وليس مع رؤساء، وهذا ساعدني دائما على تقديم المشورة لكما وفقا لما يمليه علي ضميري. وأرجو الله أن تتاح لي فرصة الحديث عنكما في مناسبة أخرى أتمكن فيها من تعداد أفضالكما ومناقبكما.
كما أترحم على روح الفقيدين الوزيرين السيد محمد بوزبع والسيد محمد الناصري وأدعو لهما بالرحمة والمغفرة.
كما اسمحوا لي أن أشكر السادة قضاةَ محكمةِ النقض وأعضاءِ النيابة العامة بها على حسن الاستقبال والإرادة الصادقة التي أبدوها للتعاون مع مؤسسة الوكيل العام للملك.
كما أشكركم السيد الرئيس الأول المحترم على ما قمتم به، وما عبرتم عن نيتكم القيام به لبناء جسور التعاون مع النيابة العامة على أساس القانون وخدمة قيم العدالة. ولا شك السيد الرئيس أن في خصالكم ومناقبكم ما يقوي ضعفي ويشد أزري حتى نتمكن معاً من النهوض بالأمانة العظمى التي طوقنا بها جلالة الملك.
والشكر موصول لجميع قضاة المملكة، وللسادة الوكلاء العامين ووكلاء الملك وباقي أعضاء النيابة العامة بالوطن وقضاة وأطر وموظفي مديرية الشؤون الجنائية والعفو الذين كانوا لي سندا وعونا على أداء مهامي على رأس هذه المديرية خلال السنوات العشر الماضية.
السيد الرئيس الأول والسادة أعضاء المحكمة؛
لأَنَّ ختامَ مجلسكُم المباركُ هذا لا يمكن أن يكون سوى من أريج المسك، فإني أرفع من جديد آيات الولاء لصاحب الجلالة المنصور بالله، وأدعو الله أن يحفظَ جلالتَهُ في الحل والترحال قائداً مُلْهماً لهذا البلد الأمين، ومجدداً لبناء صرح العدالة ودولة القانون، وأرجو الله أن يعينني على تحمل الأمانة التي طوقني بها، حتى أكون عند حسن ظن جلالته وفي المستوى المطلوب لتنفيذ التوجيهات السامية التي كلفني بها، وأن أكون- كما كنتُ دائما- جنديا مخلصا لجلالته للدفاع عن الحق العام والذوذ عنه بعزيمة وإصرار، وأن أستميت “في حماية النظام العام و صيانته وفقا لما يقتضيه القانون وعملا بمبادئ العدل والإنصاف، التي ارتآها جلالة الملك نهجا موفقا لاستكمال بناء دولة الحق والقانون القائمةِ على صيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات أفرادا وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات”.
حفظ الله مولانا أمير المؤمنين بما حفظ به الذكر الحكيم، وأيده بنصره المتين وأقر عينه بولي عهده سمو الأمير الجليل مولاي الحسن وشقيقته المصونة الأميرة للا خديجة وشد أزره بشقيقه سمو الأمير مولاي رشيد وسائر أفراد العائلة الملكية الكريمة. آمين.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الوكيل العام للملك
لدى محكمة النقض
محمد عبد النباوي