أصدرت رئاسة النيابة العامة تقريرها السنوي برسم سنة 2024، عملا بمقتضيات المادة 110 من القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، التي أناطت بالوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، مهمة إعداد تقرير سنوي حول سير النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية.
وجاء في التقديم أن هذا التقرير يشكل الإصدار الثامن من نوعه ضمن سلسلة سنوية دأبت رئاسة النيابة العامة على إعدادها بانتظام منذ تأسيسها في السابع من أكتوبر سنة 2017، وفاء لالتزامها بمقتضيات المادة 110 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية التي نصت على قيام الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، بصفته رئيسا للنيابة العامة، برفع تقرير سنوي حول سير النيابة العامة وتنفيذ السياسة الجنائية إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية، قبل عرضه ومناقشته أمام اللجنتين المكلفتين بالتشريع بمجلسي البرلمان.
وأكد التقرير أن سنة 2024 مثلت محطة بارزة في مسار تعزيز استقلال النيابة العامة وتطوير أساليب عملها، حيث ركزت رئاستها خلال هذه السنة بشكل خاص على ترسيخ توجهاتها الاستراتيجية على أكثر من صعيد.
ويتضمن الباب الأول من التقرير معلومات ومعطيات إحصائية دقيقة حول سير النيابة العامة، من خلال تسليط الضوء على النتائج المحققة في مختلف مناحي عملها وفق ما هو مقرر قانونا، بما في ذلك القضايا الزجرية والمدنية والتجارية وتعزيز مجالات التعاون القضائي الدولي، فيما يستعرض الباب الثاني حصيلة تنفيذ السياسة الجنائية خلال سنة 2024، استنادا إلى أولويات أساسية تمثل ركائز عمل رئاسة النيابة العامة، والموزعة على أربعة محاور كبرى، وهي حماية الحقوق والحريات، وحماية المرأة والطفل وبعض الفئات الخاصة، وتخليق الحياة العامة وحماية المال العام، وحفظ الأمن والنظام العام وصون سلامة الأشخاص.
وبالنسبة للباب التمهيدي للتقرير، والمعنون بـ”جهود رئاسة النيابة العامة لتطوير الأداء وتعزيز النجاعة”، فيستعرض خلاصة الجهود التي باشرتها رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2024 لتطوير أدائها المؤسساتي وتعزيز نجاعة تنفيذ السياسة الجنائية.
وتميزت السنة المذكورة بكونها محطة مهمة في مسار التحديث الهيكلي والتحول الرقمي للرئاسة، إذ أسفرت مراجعة القرار المتعلق بتنظيم بنيات إدارة رئاسة النيابة العامة وتحديد اختصاصاتها عن إحداث قطب إضافي تحت اسم “قطب التحديث ونظم المعلومات”، أُسندت إليه مهام استراتيجية تتعلق ببلورة التصور العام للتحول الرقمي وإعداد وتنفيذ الاستراتيجية الرقمية للرئاسة، بما يضمن انسجامها مع التوجهات الوطنية في إطار مشروع “المغرب الرقمي 2030”.
وبموجب التنظيم الهيكلي الجديد، أصبحت البنية الإدارية للرئاسة تتألف من ستة (6) أقطاب، وسبع عشرة (17) شعبة، وثلاث وستين (63) وحدة، بالإضافة إلى الديوان والكتابة العامة.
وبموازاة هذا الورش الهيكلي، أولت رئاسة النيابة العامة في السنة نفسها عناية خاصة للتحول الرقمي باعتباره رافعة أساسية لتحديث أساليب العمل وتعزيز النجاعة القضائية والإدارية، سواء على مستوى بنياتها المركزية أو على مستوى النيابات العامة لدى محاكم المملكة.
وشملت هذه الجهود اعتماد التوقيع الإلكتروني في عدد من المساطر، وتطوير تطبيقات لتتبع ملفات الإكراه البدني وأوامر الإيداع، وإحداث واجهات معلوماتية ولوحات قيادة ذكية للتتبع الآني لمختلف القضايا، فضلا عن تقوية البنية التحتية وضمان أمنها السيبراني، وتطوير نظام التدبير المعلوماتي، وهي خطوات تعكس حرص رئاسة النيابة العامة على بلوغ الرقمنة الكاملة لإجراءاتها وتجويد خدماتها.
وفي مجال التأطير والتوجيه، أصدرت رئاسة النيابة العامة خلال سنة 2024 ما مجموعه تسع عشرة (19) دورية، تناولت موضوعات متكاملة؛ منها ما يتصل مباشرة بتنفيذ السياسة الجنائية، وعلى رأسها تفعيل مقتضيات القانون رقم 43.22 المتعلق بالعقوبات البديلة، ومنها ما يتعلق بتعزيز التعاون القضائي الدولي، ومنها كذلك ما يروم تحسين تدبير العمل الداخلي للنيابات العامة، لا سيما في ما يخص تدبير ومعالجة الشكايات والمحاضر وتنظيم الرخص السنوية، وقد أسهمت هذه الدوريات في توحيد الممارسة وإرساء مرجعية عملية لقضاة النيابة العامة في المواضيع التي شملتها.
وعلى صعيد التعاون التشريعي، رسخت رئاسة النيابة العامة حضورها كفاعل أساس في مسار إصلاح منظومة العدالة، عبر إبداء ملاحظات جوهرية على مشاريع القوانين والمراسيم المحالة من وزارة العدل؛ ومن بينها مشروع مدونة التجارة المحينة، ومشروع قانون التراجمة المحلفين، ومرسوم هيكلة المحاكم، وقد انصبت هذه الملاحظات على تجويد الصياغة التشريعية، وضبط أدوار النيابة العامة، وضمان اتساق النصوص مع المرجعيات الدستورية والممارسات الاتفاقية، فضلا عن إدماج مقتضيات التحول الرقمي في بنيتها القانونية.
أما على مستوى تعزيز التنسيق مع كافة الفاعلين في مجال العدالة، فقد واصلت رئاسة النيابة العامة انخراطها في أشغال الهيئة المشتركة للتنسيق في مجال الإدارة القضائية إلى جانب المجلس الأعلى للسلطة القضائية ووزارة العدل، وساهمت في اعتماد قرارات وإجراءات محورية تتعلق بالتحول الرقمي وتطوير المنظومة المعلوماتية للمحاكم.
وعززت رئاسة النيابة العامة كذلك تنسيقها مع قطبي المديرية العامة للأمن الوطني ومراقبة التراب الوطني وقيادة الدرك الملكي، وقد توج هذا التنسيق بإعداد دليل عملي لتجويد الأبحاث الجنائية، وتدارس سبل تنزيل مشروع التبادل الإلكتروني للمعطيات بين النيابات العامة والشرطة القضائية.
ومن شأن هذين الورشين أن يشكلا دعامة أساسية لتعزيز فعالية الأبحاث الجنائية، وتوحيد آلياتها، وتسريع وتيرة تبادل المعطيات بين النيابات العامة والشرطة القضائية في إطار مؤمَّن وفعّال، على نحو يكرس جودة العدالة ويدعم الثقة في مؤسساتها.
