السيد الداكي يؤكد بالرباط على دور السلطة القضائية في تطبيق قانون المنافسة


12 أكتوبر 2022


شارك السيد مولاي الحسن الداكي الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة، صباح اليوم الأربعاء 12 أكتوبر 2022 بالرباط في أشغال دورة تكوينية من تنظيم المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة بشراكة مع مجلس المنافسة حول  “دور السلطة القضائية في تطبيق قانون المنافسة”.


يشار إلى أن هذه الورشة التكوينية، التي تتواصل إلى غاية 14 أكتوبر الجاري، ستناقش عدة محاور، بما في ذلك “منظومة الدفاع عن المنافسة: الجوانب التي يتعين أخذها في الاعتبار عند النظر في الاتفاقات الاحتكارية”، و”المسائل المسطرية والقواعد الموضوعية المرتبطة بمراقبة التركيزات الاقتصادية”، فضلا عن حلقة نقاش دولية رفيعة المستوى حول المراقبة القضائية.

-فيما يلي نص كلمة السيد مولاي الحسن الداكي، الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض رئيس النيابة العامة بالمناسبة:

بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛

-السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

-السيد رئيس مجلس المنافسة؛

-السادة أعضاء المجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

-السيدات والسادة القضاة؛

-السيد ممثل مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، رئيس مصلحة الشؤون القانونية في مجال المنافسة وحماية المستهلك بمؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية؛

-السيد ممثل مؤسسة التمويل الدولية؛ رئيس وحدة مصالح الاستشارة وخلق الأسواق بمجموعة البنك الدولي؛

-السيدات والسادة أعضاء وأطر مجلس المنافسة؛

-السيدات والسادة ممثلو وسائل الإعلام؛

-الحضور الكريم كل باسمه وصفته والاحترام الواجب لشخصه.

إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز  أن أشارك بمعيتكم أشغال الجلسة الافتتاحية لهذه الأيام الدراسية المنظمة بشراكة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة  ومجلس المنافسة وبتعاون مع مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، ومؤسسة التمويل الدولية، حول موضوع “دور السلطة القضائية في تطبيق قانون المنافسة” والتي التأم لجمعها ثلة من الفاعلين والخبراء وطنيا ودوليا في مجال القانون والاقتصاد، إلى جانب مجموعة من القضاة الممارسين بهدف دراسة ومناقشة الجوانب الوقائية والزجرية المنظمة للمنافسة والعمل على البحث عن التدابير الملائمة لحماية النظام العام الاقتصادي وتعزيز التنافسية وتشجيع الاستثمار.


وبهذه المناسبة أود أن أرحب بجميع المشاركين وأن أهنئ كافة الشركاء كل من موقعه على حسن اختيار الموضوع، كما أشكرهم على مبادرتهم الطيبة وأجواء التعاون المثمر التي يسعى الجميع لتوفيرها بكل مسؤولية ووطنية لتحقيق عدالة في مستوى انتظارات القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده.

حضرات السيدات والسادة؛

لا يخفى عليكم أن تنزيل مبادئ الدستور المكرسة للمنافسة الحرة النزيهة والمشروعة لا يتطلب فقط إرساء إطار قانوني متطور وفعال يروم حماية النهج الاقتصادي القائم على المبادرة الحرة وتكريس الحكامة الجيدة وضبط وضعية المنافسة في الأسواق، ومراقبة الممارسات المنافية للمنافسة وعمليات التركيز الاقتصادي والاحتكار، وإنما يقتضي أيضا مواكبة القضاة للمقومات المرتبطة بتوفير مناخ تنافسي سليم والتمكن من الآليات اللازمة لتفعيل الإجراءات المناسبة  للتصدي لكل أشكال الاتفاقات غير المشروعة المنافية للمنافسة، بما يساهم في خدمة تنافسية النسيج الاقتصادي الوطني ويوفر الحماية المتطلبة لمختلف الفاعلين الاقتصاديين.


وفي هذا السياق يندرج تنظيم هذه الدورة التكوينية التي تتسم بأهمية بالغة بالنظر لارتباط موضوعها بدور السلطة القضائية في حماية الأسواق الاقتصادية من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة، بما يحقق حماية فعلية للاستثمارات المحلية والأجنبية وللحقوق الاقتصادية للأفراد والجماعات. لذلك فإننا نعتبر هذه الدورة التكوينية مناسبة لإبراز دور القضاء في حماية الاستثمار والأسواق الاقتصادية من جهة، ومن جهة أخرى مجالاً لتحسيس القضاة بأهمية الإلمام بالمقتضيات الموضوعية والإجرائية المؤطرة للمساطر القضائية المرتبطة بتطبيق قانون المنافسة من أجل المساهمة في توفير الأمن القضائي والقانوني للمستثمر وللفاعل الاقتصادي، وتحفيز المنتوج الوطني بالرفع من تنافسيته على الصعيد الإقليمي والدولي.


وهو الأمر الذي ما فتئ جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده يؤكد عليه في خطبه السامية حيث جاء في خطاب جلالته بمناسبة الذكرى 12 لعيد العرش المجيد بتاريخ 30 يوليو 2011 ما يلي:


(بنفس العـزم، فـإن التعاقد الاقتصـادي الجديد، يقتضـي الاهتمام بمنظومة الإنتاج الاقتصادي، وإذكاء روح المبادرة الحرة، خاصة من خلال تشجيع المقاولات الصغرى والمتوسطة، بمـا ينسجم مع روح الدستور الجديد، الذي يكرس دولة الـقـانـون فـي مجـال الأعمال، ومجموعـة مـن الـحـقـوق والهيئات الاقتصادية، الضامنة لحرية المبادرة الخاصـة، ولشروط المنافسة الشريفة، وآليـات تخليق الحيـاة العامـة، ولضـوابـط زجـر الاحتكار والامتيازات غير المشروعة). انتهى النطق الملكي السامي.


وتفعيلاً للتوجيهات الملكية السامية في هذا المجال، فقد أولت رئاسة النيابة العامة أهمية بالغة لحماية الأسواق من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة والمساهمة في ضمان الشفافية والانصاف في العلاقات الاقتصادية من خلال السياسة الجنائية التي تسهر على تنفيذها، وهو الأمر الذي تعكسه الدوريات الصادرة عن رئاسة النيابة العامة في هذا الشأن لا سيما الدورية عدد 4س/ ر ن ع بتاريخ 24 يناير 2020، والتي دعت من خلالها النيابات العامة لدى المحاكم إلى تفعيل المقتضيات الزجرية المرتبطة بمناخ الأعمال، لا سيما المواد من 68 إلى المادة 90 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة والحرص على توفير فرص الحماية الناجعة للفاعل الاقتصادي وحماية النظام العام الاقتصادي، فضلا عن تبني تدبير ناجع لأداء النيابة العامة يروم المساهمة في تقليص الزمن القضائي اعتبارا لخصوصية المنازعات ذات الصلة بالمجال الاقتصادي من خلال احترام الآجال المنصوص عليها قانونا.


كما عززت رئاسة النيابة العامة أدوارها المؤسساتية في هذا المجال من خلال ابرام اتفاقية التعاون والشراكة مع مجلس المنافسة بتاريخ 27 دجنبر 2021 والتي تأتي في سياق ترجمة إرادة الطرفين لتوحيد الجهود عبر التنسيق والتشاور بغية ضمان التطبيق السليم للقانون،  

حضرات السيدات والسادة؛


إن دور النيابة العامة والقضاء بصفة عامة في الحياة الاقتصادية أصبح اليوم أساسيا في حماية الاستثمار وزرع الثقة في نفوس المستثمرين، بل إنه أصبح عاملا أساسيا تعتمده التقارير الدولية المرتبطة بمناخ الأعمال كمؤشر أساسي في ترتيب الدول من حيث الأمن القانوني والقضائي الذي توفره للمستثمر.


ومما لا شك فيه أن دستور 2011 قد أوكل لمجلس المنافسة سلطة استشارية وتقريرية في مجال مراقبة الأسواق الاقتصادية وزجر الممارسة المنافية لقواعد المنافسة سواء كانت الممارسات ذات طابع فردي كالتعسف في استغلال الوضع المهيمن أو التعسف في استغلال التبعية الاقتصادية، أو كانت ذات طابع جماعي كالاتفاقات الصريحة أو السرية من أجل الحد من المنافسة الشريفة.


واعتباراً للطابع التقريري الذي تتسم به بعض قرارات مجلس المنافسة، فإن المشرع المغربي وتكريسا منه لضمانات المحاكمة العادلة أقر حق الطعن في قرارات المجلس أمام المحاكم، وهو إجراء بقدر ما هو تحصين لحقوق الدفاع وترسيخ لقرينة البراءة، وحرصا على سلامة الإجراءات التي قد تتبناها سلطة المنافسة، بقدر ما يرفع أيضا التحدي أمام القضاة سواء بقضاء الحكم أو النيابة العامة من أجل الخوض في قوانين ذات طابع اقتصادي لها تأثير على الحياة الاقتصادية للمقاولات وعلى مستقبل التوازنات الاقتصادية والتي تعد المنافسة الشريفة الخالية من الممارسات المنافية لقواعد المنافسة شرطا أساسيا لإرسائها. 


حضرات السيدات والسادة؛


إن توفير الظروف الملائمة للمنافسة الحرة وتكريس مبادئ الحكامة والشفافية تعتبر من بين المقومات الأساسية لتحقيق النموذج التنموي ببلادنا وهو ما أشار إليه   التقرير العام للنموذج التنموي الجديد والذي حدد مجموعة من التدابير التي من شأنها الحد من حواجز ولوج الفاعلين الجدد إلى السوق وزجر الاتفاقات غير المشروعة وترسيخ استقلالية سلطة المنافسة عبر تمكينها من الممارسة الفعلية لصلاحية البحث والتحقيق والزجر، فضلا عن تقوية الإطار القانوني عبر إمداده بالوسائل والخبرة اللازمة، بالإضافة إلى إرساء إطار قانوني متشبع بالمعايير الدولية في المجالات ذات الصلة بالولوج إلى المعلومة ومحاربة حالات تضارب المصالح.


وفي هذا الإطار أود أن أهنئ مجلس المنافسة في شخص رئيسه على المجهودات التي يبذلها في هذا المجال والتي من شأنها تعزيز  المنافسة ومحاربة كل أشكال المنافسة غير الشريفة، هذه المجهودات التي تعززت مؤخراً بمراجعة القانون رقم 40.21 القاضي بتغيير وتتميم القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، والتي تستهدف تأطير الجوانب المتعلقة بمسطرة قبول أو عدم قبول مجلس المنافسة للإحالات المتعلقة بالممارسات المنافية للمنافسة، والمساطر المتعلقة بجلسات الاستماع إلى الأطراف المعنية من لدن مصالح التحقيق لدى المجلس وتحديد المساطر المتعلقة بجلسات الاستماع إلى الأطراف المعنية وإعداد محاضر بشأنها، وغيرها من التعديلات المهمة التي لاشك في أنها ستقوي من مناعة الاقتصاد الوطني ضد كل الممارسات و الشوائب التي قد تؤثر على قواعد المنافسة الشريفة والنزيهة.


ختاما. لا يسعني إلا أن أجدد شكري وامتناني للسيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية على دعمه المتواصل لكل المبادرات الهادفة للتكوين المستمر للقضاة وتعزيز قدراتهم في شتى المجالات وانخراطه الدائم في كل ما يعزز إشراك كل الفاعلين في مجال العدالة سواء وطنيا أو دوليا، والشكر موصول أيضا للسيد رئيس مجلس المنافسة وأطرهما، وكذا أطر رئاسة النيابة العامة على الإعداد لتنظيم هذه الأيام الدراسية التي تكرس المبدأ الدستوري المتعلق بالتعاون بين المؤسسات والسلط في مختلف المجالات، لاسيما التي تتعلق منها بحسن تنزيل بعض المقتضيات القانونية التي تضبط شتى العلاقات الناظمة بين مختلف الأفراد والمؤسسات وخاصة التي لها موقع في الدورة الاقتصادية كما هو الحال بالنسبة لمجلس المنافسة.


والشكر موصول أيضا لكل الحاضرين والمشاركين في هذه الدورة التكوينية المتميزة، وكل من ساهم في الإعداد لتنظيمها، متمنيا لأشغالها التوفيق والسداد آملاً أن تتمخض عن ذلك توصيات ومقترحات كفيلة بتعزيز تنافسية السوق وتقوية النظام العام الاقتصادي ببلادنا في ظل التوجيهات الملكية السامية لجلالة الملك محمد السادس دام له النصر والتمكين وحفظه بما حفظ به الذكر الحكيم وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.

وفقنا الله لما يحبه ويرضاه ولما فيه خير بلادنا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

م. الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، رئيس النيابة العامة