السيد رئيس النيابة العامة يشارك في ندوة “المحاكمة العادلة بالمغرب في ظل عشر سنوات من نفاذ دستور 2011”


22 يوليوز 2021


كلمة السيد الحسن الداكي رئيس النيابة العامة في الندوة الوطنية حول: “المحاكمة العادلة بالمغرب في ظل عشر سنوات من نفاذ دستور 2011” المنظمة بشراكة بين المجلس الأعلى للسلطة القضائية وهيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون

أكادير 16 يوليوز 2021

بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على سيدنا محمد أزكى المخلوقات وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.

السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية؛

السيد وزير الدولة المكلف بحقوق الانسان والعلاقات مع البرلمان؛

السيد وزير العدل؛

السيدة رئيسة المجلس الوطني لحقوق الانسان؛

السيد رئيس جمعية هيئات المحامين بالمغرب؛

السيد نقيب هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون؛

السادة المسؤولون القضائيون؛

السادة النقباء وأعضاء مجلس الهيئة؛

الحضور الكريم كل باسمه وصفته والتقدير والواجب له.

حضرات السيدات والسادة؛
إنه لمن دواعي الفخر والاعتزاز أن أشارك معكم في أشغال هذه الندوة العلمية والحقوقية الهامة، التي أراد القائمون عليها أن تكون وقفة للتأمل، بعد مرور عشر سنوات على صدور دستور المملكة 2011، وهي مناسبة أغتنم فيها الفرصة لأهنئ كل من ساهم، وأعد لهذا الملتقى العلمي المتميز، ولكل من سيشارك فيه، على رأسهم السيد النقيب وممثلو هيئة المحامين لدى محاكم الاستئناف بأكادير وكلميم والعيون نقباء ومحامين وأعضاءً.


كما أود بهذه المناسبة أن أنوه باختيار موضوع هذه الندوة ألا وهو “المحاكمة العادلة بالمغرب في ظل عشر سنوات من نفاذ دستور 2011″،  والذي يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للقضاء وهيئة الدفاع على حد سواء، كيف لا وهما الجناحان اللذان تحلق بهما العدالة من أجل تحقيق أسمى مستويات المحاكمة العادلة، فهما يتقاسمان جميعا نفس القيم، ويحملان نفس الرسالة وإن اختلفت مواقعهما، لكونهما معنيان معا بخدمة مبادئ العدالة السامية وقيم حقوق الإنسان الكونية كما عبر عن ذلك جلالة الملك في الرسالة السامية الموجهة إلى المشاركين في أشغال الدورة الثانية للمكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب بتاريخ 20 نونبر 2000  (ومن مبدأ ما نوليه من تقدير خاص لهيئة المحامين وأسرة القضاء الذين يتقاسمون أمانة إقامة العدل الذي جعلناه أساس مشروعنا المجتمعي) انتهى النطق الملكي السامي .


10 سنوات إذن على صدور دستور المملكة كانت حافلة بمجموعة من التحولات الجوهرية التي عرفتها بلادنا في مختلف المجالات، من أهمها تكريس استقلال السلطة القضائية واستقلال النيابة العامة وإرساء دعائم هذه الاستقلالية وتعزيز البناء المؤسساتي للسلطة القضائية.


إن طرح موضوع المحاكمة العادلة للنقاش يعكس مدى الرغبة الأكيدة التي تحدونا جميعا، لملامسة موضوع ذي راهنية قصوى، يرتبط بالأمن القضائي للمواطنين ويتوخى تعزيز ثقتهم بمنظومة العدالة، بكل مكوناتها دفاعا وقضاء، فالحق في المحاكمة العادلة شرط أساسي، لضمان التمتع الفعلي بالحقوق الكونية المكفولة للإنسان. وهو ما يقتضي من كافة مكونات العدالة، ابتكار الآليات الملائمة لأجرأة القواعد القانونية، وتسخيرها لحماية حقوق مرتفقي العدالة.


ومما لاشك فيه أن المحاكمة العادلة تعد مطلباً حقوقياً تتوق إليه كل الشعوب، وهي مطمح لكل الحقوقيين والمفكرين، وبها تبنى دولة الحق والقانون، فالحديث عن المحاكمة العادلة هو حديث عن الديموقراطية وسيادة القانون، وذلك عبر مجموعة من المقتضيات الموضوعية والاجرائية التي تستمد قوتها وروحها من المواثيق الدولية المتفق عليها عالميا، في مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966، وما كرساه من مبادئ سامية كالمساواة أمام القانون وقرينة البراءة وعلنية المحاكمة وحقوق الدفاع وغيرها من المبادئ السامية التي أصبحت قيماً كونية مشتركة.


حضرات السيدات والسادة؛
لا يخفى عليكم أن النضال حول مبادئ المحاكمة العادلة ظل لصيقا منذ القدم بمطلب استقلال القضاء. وانسجاما مع هذه المعادلة فقد انخرط المغرب في العقدين الأخيرين في مسلسل إصلاح عميق وشامل لمنظومة العدالة، أعطى انطلاقته جلالة الملك نصره الله وأيده، في خطابه التاريخي السامي لسنة 2009 بمناسبة الذكرى 56 لثورة الملك والشعب، والذي خصصه حفظه الله لموضوع إصلاح العدالة، والذي شكل نبراسا أضاء الطريق ووضع السلطة القضائية في سكتها الصحيحة، حيث جاء في الخطاب السامي لجلالته:” … وإننا نعتبر القضاء عمادا لما نحرص عليه من مساواة المواطنين أمام القانون، وملاذا للإنصاف، الموطد للاستقرار الاجتماعي. بل ان قوة شرعية الدولة نفسها، وحرمة مؤسساتها من قوة العدل، الذي هو أساس الملك. لذا قررنا إعطاء دفعة جديدة وقوية لإصلاحه. وذلك وفق خارطة طريق واضحة في مرجعياتها، طموحة في أهدافها، محددة في أسبقياتها، ومضبوطة في تفعيلها” انتهى النطق الملكي السامي.


وفي هذا السياق، جاءت الوثيقة الدستورية لسنة 2011 بعدة تعديلات جوهرية بوأت من خلالها السلطة القضائية مكانة دستورية باعتبارها سلطة مستقلة عن باقي السلط من خلال أحكام الفصل 107 منه، كما أرست دعائم استقلال النيابة العامة وأوكلت للقضاء بموجب أحكام الفصل 117 حماية حقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم وأمنهم القضائي وتطبيق القانون.


كما أولى الدستور المغربي أهمية بالغة لحقوق الأشخاص والجماعات وحرياتهم ترجمها من خلال تأكيده على حماية منظومة حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني ضمن المبادئ الأساسية التي تضمنتها ديباجته، بالإضافة إلى التكريس الدستوري للحق في محاكمة عادلة من خلال الفصل 23 منه.


وتكريسا لهذا البعد الدستوري المتعلق بحماية الحقوق والحريات وضمان المحاكمة العادلة، وضعت رئاسة النيابة العامة هذه المواضيع ضمن أولوياتها القارة في السياسة الجنائية التي تسهر على تنفيذها وذلك في استحضار تام للتعليمات الملكية السامية التي وردت في ظهير تعييني وكيلا عاما لدى محكمة النقض، وبهذه الصفة رئيسا للنيابة العامة والتي أناطت بالنيابة العامة الدفاع عن الحق العام والذود عنه وحماية النظام العام والعمل على صيانته والتمسك بضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل والإنصاف وصيانة حقوق وحريات المواطنين والمواطنات، أفراداً وجماعات في إطار من التلازم بين الحقوق والواجبات.


وانطلاقا من هذه الأدوار الهامة المنوطة بالنيابة العامة، فإن هذه الأخيرة في إطار تدبيرها للدعوى العمومية تحرص على التمسك بالتطبيق السليم للقانون باعتباره مدخلاً أساسياً لتحقيق شروط المحاكمة العادلة، كما تحرص النيابة العامة على تكريس حقوق الدفاع في إطار المحددات المنصوص عليها قانونا وفق منظور يعطي للمحكمة كامل الاستقلالية في الإنصات والاستماع للأطراف ومناقشة وقائع القضية، وبما يكفل أيضا بسط مختلف أوجه الدفاع والذي يشكل قطب الرحى في تحقيق شروط المحاكمة العادلة الذي يظل فيها القضاء أحد الضمانات الأساسية لتحقيقها، كما نص على ذلك الفصل 117 من الدستور والفصل 41 من القانون التنظيمي المتعلق بالنظام الأساسي للقضاة، وهي نماذج لتجليات الدور الذي يضطلع به القضاء في تكريس ضمانات المحاكمة العادلة التي تتمحور حول صون الحقوق والحريات.

حضرات السيدات والسادة الأفاضل
انطلاقا من هذه الرؤية واستحضارا لرسالة القضاء النبيلة، ودوره في التطبيق السليم للقانون، واحترام شروط المحاكمة العادلة. واستحضاراً كذلك للدور الطلائعي الذي تقوم به هيئة الدفاع لتحقيق نفس الأهداف النابعة من نبل رسالتها في الدفاع عن الحقوق ومساندة المظلومين، بالنظر للقيم المثلى التي يتعين أن يتحلى بها منتسبو العدالة والتي يجب أن تتجسد من خلال الاستقلال، والحياد، والمسؤولية، والنزاهة، والكفاءة. فإن الرهان اليوم معقود على الجميع للانتصار لقيم العدل والانصاف والاستجابة للانتظارات المستحقة للمواطنين.


وانسجاما مع نفس التوجه، تضع رئاسة النيابة العامة على رأس أولويات اشتغالها الإنصات لتظلمات المواطنين، وحسن تحسين ظروف استقبالهم والتواصل معهم والانفتاح على مطالبهم ومقترحاتهم، متطلعة في ذلك إلى تكريس الشعار الذي رفعته لهذه المرحلة ألا وهو “نيابة عامة مواطنة”، غايتها في ذلك خدمة المواطنين، وإشاعة معاني العدالة في أبهى صورها وتعزيز الثقة لدى المتقاضين. 


وإذا كانت مسؤولية المشرع قد استكملت بسن النصوص القانونية المحددة لشروط المحاكمة العادلة، فإن الهدف الراسخ المتمثل في التفعيل العملي السليم لقواعدها ومبادئها، تتقاسمه أجهزة العدالة بكل مكوناتها، وهذا ما يدعونا جميعا الى تفعيل ما تَكَوَّنَ لدينا من رصيد قانوني متقدم يروم تكريس المبادئ الكبرى المحددة للمحاكمة العادلة، ويقتضي منا جميعا استحضار أدوار كل الفاعلين في حقل العدالة في هذا المجال من قضاة وعلى الخصوص هيئة الدفاع، وكافة مساعدي القضاء من عدول، وخبراء، وموثقين، ومفوضين قضائيين، وشرطة قضائية، فكلنا مؤتمنون على تعزيز شروط ضمانات المحاكمة العادلة من خلال دعم الهيئات القضائية وتيسير مهامها أثناء مختلف مراحل المحاكمة، وذلك من خلال إشاعة روح الثقة، والنزاهة، والحياد وبالتالي تكريس التطبيق السليم للقانون، غايتنا الفضلى إحقاق الحق والإحساس بالاطمئنان إلى مبادئ المساواة أمام القانون.


وفي الختام أتمنى أن تكلل أشغال هذا الندوة بالتوفيق والسداد، وأن تخلص إلى مخرجات وتوصيات من شأنها الرقي بمنظومة العدالة ببلادنا والإسهام في ترسيخ مبادئ استقلال القضاء لا سيما مبدأ المساواة أمام القانون التي تعتبر مدخلا أساسيا لتحقيق شروط المحاكمة العادلة.


وفقكم الله وسدد مسعاكم السيد النقيب المحترم، وحفظ الله مولانا الإمام جلالة الملك محمد السادس أعزه الله ونصره رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية وضامن استقلال القضاء، وأقر عينه بولي عهده الأمير الجليل مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد الأمير مولاي رشيد وكافة أسرته الشريفة، إنه سميع الدعاء وبالإجابة جدير.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.


الحسن الداكي
الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض
رئيس النيابة