كلمة الوكيل العام للملك رئيس النيابة العامة بمناسبة حفل تسليم السلط


28 مارس 2021


بسم الله الرحمان الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين

السيد الرئيس الأول لمحكمة النقض


الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية


السيد وزيـــــــر العـــــــــدل


السيد الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية


السيد المفتش العام للشؤون القضائية


السيد الكاتب العام لرئاسة النيابة العامة


السادة رؤساء الأقطاب برئاسة النيابة العامة


والمجلس الأعلى للسلطة القضائية


السيدات والسادة المسؤولون القضائيون


الحضور الكريم كل باسمه وصفته وما هو أهل له

كم هو إحساس كبير بالطمأنينة والسكينة يستشعرها المرء وهو يتواجد بين إخوانه وأهله في مناسبة متميزة كهاته التي تجمعنا اليوم في هذه المؤسسة الفتية الرائدة في السهر على تفعيل الضمانات القانونية لصون الحقوق والحريات والقيام بالواجبات، والتي يرفع من هيبتها ووقارها استحضار الثقة المولوية الغالية التي حظيت بها من قبل السدة العالية بالله رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية جلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره بتعيـيني وكيلا عاما لجلالته لدى محكمة النقض، وبهذه الصفة رئيسا للنيابة العامة، وإنني إذ أعتز بهذا التشريف وهاته الثقة المولوية، فإنني أستشعر في ذات الوقت مدى جسامة هذه المهمة ومدى ثقل حملها، وفي سياق هذا الحدث المتميز فإنني أتوجه بجزيل الشكر والامتنان لمولانا أمير المؤمنين جلالة الملك دام عزه ونصره على عنايته المولوية بالسلطة القضائية ودعمه المتواصل لبنائها، حتى يتأتى لها القيام بدورها الفعال في السهر على التطبيق السليم للقانون وصون الحقوق وضمان الأمن والنظام العامين.


السيد الرئيس ؛


حضرات السيدات والسادة ؛


نحن اليوم بمقر رئاسة النيابة العامة نشهد التاريخ القضائي للمملكة على خطوة جديدة مباركة في مسار تنزيل السلطة القضائية المستقلة التي يرعاها القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس المؤيد بعناية الله، فبعد مرور ما يقارب أربع سنوات على تفضل جلالته على تدشين عهد الاستقلال الفعلي للسلطة القضائية من خلال تعيينه لأول رئيس منتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية في شخص الرئيس الأول لمحكمة النقض، وتعيين أول رئيس للنيابة العامة في شخص الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض وتنصيبه للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، تعاقبت مخرجات هذه الاستقلالية من خلال إرساء دعائم السلطة القضائية وبناء هياكلها بفضل الجهود التي تم بدلها من قبل المسؤولين عليها.


حضرات السيدات والسادة ؛


لا يخفى عليكم أن قضاة النيابة العامة يتبعون لسلطة رئاسية تسلسلية وفقا لما يحدده دستور المملكة في فصليه 100 و116، واستنادا إلى ذلك أضحى تسيير مهام النيابة العامة موكول للسلطة الرئاسية التي يتولاها الوكيل
العام للملك لدى محكمة النقض، وهو ما تم فعليا بتاريخ 07-10-2017 ، تاريخ تسلم أستاذنا الجليل المقتدر والمتميز السيد امحمد عبد النباوي للسلطة من السيد وزير العدل.


وإذا كان الأمر كذلك، فإن هذا اليوم يعتبر بداية حلقة جديدة من حلقات تكريس تنزيل السلطة القضائية المستقلة، وتعزيز بنائها واستمرارها في الزمن من خلال تفضل جلالة الملك رعاه الله بتعيين الأستاذ المقتدر الدكتور امحمد عبد النباوي رئيسا أولا لمحكمة النقض وبهذه الصفة رئيسا منتدبا للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتفضل جلالته دام له النصر والعز بتعيين وكيل عام للملك لدى محكمة النقض وبهذه الصفة رئيسا للنيابة العامة في شخصي المتواضع.


وبهذه المناسبة التاريخية الفاصلة أتوقف سيادة الرئيس الأول لمحكمة النقض، الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية لأبارك لكم هذا التعيين المولوي في مهامكم الجديدة، والذي له دلالات ذات أبعاد قيمية لشخصكم الكريم إن على مستوى قامتكم وهامتكم القانونية والمهنية والمعرفية أو على المستوى الرفيع الذي دبرتم به مرحلة إنشاء رئاسة النيابة العامة، سواء من حيث تفانيكم في التأصيل القانوني المنظم لهياكلها أو على مستوى سعيكم الحثيث لإيجاد فضائها هذا، فضلا عن تدبيركم الأمثل لمواردها المادية والبشرية، وهي لعمري مهمة كانت جد عسيرة، وأشهد شخصيا بأنكم عانيتم في ذلك الأمرين، وأعتقد أنه لولا ما حباكم الله به من حنكة وتبصر وحسن التواصل لما كتب لها أن تتأسس على نحو ما هي عليه اليوم، فلكم من أجل ذلك، سيادة الرئيس المحترم، تحية إكبار وإجلال على كل ما فعلتم من أجل تثبيت الاستقلال الفعلي لرئاسة النيابة العامة على مختلف المستويات آملا أن تظل عنايتكم ورعايتكم لهذا المولود متواصلة وداعمة لشخصي المتواضع ولكل أطرها في تدبيرها وتحقيق ما سبق أن رسمتموه لها لكي تكتمل مختلف أوجه وعناصر مقوماتها.


السيد الرئيس المحترم ؛


حضرات السيدات والسادة ؛


إن تشريفي من قبل جلالة الملك دام عزه ونصره بتحمل مهام تدبير رئاسة النيابة العامة في هذه المرحلة الهادفة إلى استكمال تنزيل آليات إصلاح منظومة العدالة سوف يطوقني على الدوام باستحضار التوجيهات الملكية النيرة حين تشريفه لي وإياكم بالاستقبال المولوي، ناهيكم عما تضمنته مختلف خطبه السامية ذات الصلة بإصلاح منظومة العدالة وتكريس استقلال السلطة القضائية، هذا فضلا عن اعتماد المبادئ الدستورية الراسخة والقواعد القانونية اللازمة.


السيد الرئيس ؛


إن العزم قائم على العمل معكم وإلى جانبكم لمواصلة تكريس وتوطيد استقلال السلطة القضائية، حريصا في ذلك على ضمان تحقيق التنسيق والتعاون مع كل الفاعلين المعنيين في هذا المجال، خدمة لمصلحة الوطن والمواطن، مع الحرص على السير قدما على نفس الدرب الذي نهجتموه وخططتموه لمواصلة تطوير عمل النيابة العامة وتجويده وتثبيت المكتسبات، ذلك أن انتسابي لمؤسسة النيابة العامة، خولني إمكانية تتبع استراتيجيتكم في إنشاء صرح رئاسة النيابة العامة وتدبير الاشتغال بها، والخبرات التي تم اعتمادها لبنائها وتطوير قدراتها، ولعل ما تم تحقيقه خلال أقل من أربع سنوات لدليل على نجاعة ما تم اعتماده من استراتيجية ونجاعة وحكامة جيدة.


السيد الرئيس المحترم ؛


إنني أؤكد لكم والمناسبة قائمة على أنني سأواصل السعي جاهدا للمحافظة على نفس الدينامية والفعالية في الأداء التي سلكتموهما، مع الحرص على تسخير كل الطاقات لمعالجة الصعوبات ورفع التحديات.


السيد الرئيس المحترم ؛


إذا كان إنشاء مؤسسة رئاسة النيابة العامة انطلق من رئاستكم لها بفضل تضحياتكم المثلى، وما عملتم على تكريسه من طرق وأساليب تدبيرية فضلى، فإن اهتمامي سيتركز بشكل كبير على السير قدما في هذا المسار ساعيا إلى دعم وتطوير أداء النيابات العامة بمختلف محاكم المملكة من خلال مواكبتها في تطوير قدراتها واعتمادها على التقنيات الحديثة في العمل و أيضا الحرص على تطبيق القانون بشكل سليم يعكس إرادة المشرع و غاياته و يحقق العدالة المرجوة، و لأجل هذه الغاية سيكون تنسيقنا مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية من خلالكم السيد الرئيس المنتدب ومع السيد وزير العدل تنسيقا تاما و دائما يراعي بالأساس خدمة المواطن والعمل على وضع العدالة في بلادنا في المسار الصحيح الذي ينتظره منا جلالة الملك محمد السادس المنصور بعناية الله.


حضرات السيدات والسادة؛


إن المسؤولية بقدر ما هي تشريف تعبر عن مستوى الثقة التي يحظى بها المسؤول بقدر ما هي تكليف يطوق صاحبها، وفي هذا الإطار سوف أحرص على احترام مبدأ أساسي من مبادئ الحكامة الجيدة، ألا وهو ربط المسؤولية بالمحاسبة، وسوف تنصب كل الجهود على ضمان استمرار تنزيل فعال للسياسة الجنائية. وفي هذا الإطار أود أن اشكر كافة قضاة النيابة العامة على الجهود التي بذلوها صونا للحقوق والحريات وحفاظا على النظام العام، وندعوهم لمواصلة العمل الجاد لنكون جميعا عند حسن ظن صاحب الجلالة وحسن ظن المواطن المغربي، ولن يتحقق ذلك إذا لم يشعر المواطن بأن النيابة العامة في خدمته، كما ندعوهم لاعتماد مقاربة الباب المفتوح والإصغاء لمشاكل الأفراد وتظلماتهم والحرص على تجسيد ضوابط سيادة القانون ومبادئ العدل وإبراز وجه النيابة العامة المواطنة.
وسنواصل العمل على حفظ استقلال النيابة العامة والإسهام إلى جانب باقي مؤسسات الدولة في الدفاع عن المصالح العليا وصون حقوق الأفراد والجماعات و حماية مقدسات البلاد ومكافحة الجريمة وتتبع المجرمين وملاحقتهم والحد من أنشطتهم والحرص على التطبيق السليم القانون في حقهم تطبيقا يحقق العدالة والإنصاف ويجسد التنزيل الحقيقي لضمانات المحاكمة العادلة.


سنحرص على أن تكون مؤسسة النيابة العامة مؤسسة منفتحة على محيطها تواجه الجريمة و المجرمين بالاعتماد على تطوير آليات التعاون الدولي في مجال مكافحة الجرائم الخطيرة خاصة منها العابرة للحدود والإرهاب و إعطاء دينامية جديدة لها إن على مستوى التعاون الثنائي أو المتعدد الأطراف إيمانا منا بأهمية تفعيل مبدأ عدم الإفلات من العقاب مستندين في ذلك على المقتضيات المضمنة بالاتفاقية أو المقتضيات القانونية التي تتيح ذلك، آملين أن يكون التنسيق بين هذه الرئاسة والقطاعات الحكومية المعنية بالموضوع (وزارة الشؤون الخارجية و التعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج ووزارة العدل) تنسيقا فعالا يراعي بالدرجة الأولى المصلحة العامة لبلادنا و صون حقوق الأفراد و إنصافهم.


السيد الرئيس ؛


السيد وزير العدل ؛


يجب الإقرار منذ البداية بأنه مهما تؤتى من العزائم وتصدق النوايا، فإنه لن يتأتى بلوغ الغايات المرجوة بالاجتهاد والعمل الفردي، ذلك أن السعي إلى تحقيق الغايات المنشودة سيكون جد عسير، ولذلك فإنه لا محيد عن التعاون والتآزر بين مختلف الفاعلين في العدالة من قضاة رئاسة ونيابة عامة وأطر كتابة الضبط والنيابة العامة ومساعدي العدالة.


السيد الرئيس المحترم ؛


في ختام هذه الكلمة أتوجه إليكم مرة أخرى بجزيل الشكر والتنويه الصادق على ما بذلتموه لصالح العدالة بصفة عامة ولرئاسة النيابة العامة بصفة خاصة، ومن خلالها لقضاء النيابة العامة منذ تقلدكم لمهام رئاستها، والتي سوف تبقى بصماتكم حاضرة بها دون شك، ولا جدال في أن خلفكم ومحدثكم سوف يتابع المسير الذي خططتموه لهذه المؤسسة العتيدة التي بفضل توجيهات جلالة الملك وجهودكم بعون الله استطعتم أن تجعلوا منها مؤسسة شامخة في وقت قياسي، ونسأل الله جل جلاله أن يديم عليكم رداء الصحة والعافية وأن يلهمكم السداد والتوفيق في مهامكم الجديدة.
كما آمل أن أجد فيكم وفي كل مكونات رئاسة النيابة العامة السند والعضد لنواصل معا بناء ما أرسيتم قواعده أستاذي الجليل السيد امحمد عبد النباوي الرئيس الأول لمحكمة النقض الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية.
كما أتوجه بالشكر الجزيل للسيد وزير العدل على تشريفه لنا بحضوره لهذه المناسبة المتميزة آملا أن يكون معززا ومساهما في تطوير وتجويد قضاء النيابة العامة في إطار ما نأمله من تنسيق مع المجلس الأعلى للسلطة القضائية ورئاسة النيابة العامة التي هي جزء من هذه السلطة.


والشكر موصول أيضا للسيد الأمين العام للمجلس الأعلى للسلطة القضائية والسيد المفتش العام للشؤون القضائية وكافة الحضور الكريم بتشريفهم لنا في هذا اللقاء المبارك.


أسأل الله تعالى أن يكون لنا جميعا خير معين وأن يلهمنا التوفيق والسداد آملا أن أكون عند حسن ظن القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس أعز الله أمره ودام له النصر والتأييد، وأقر عينه بولي عهده الأمير المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن وشد أزره بصنوه الرشيد صاحب السمو الملكي مولاي الرشيد وحفظه في سائر أفراد أسرته الشريفة، إنه سميع مجيب.


“إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله”
صدق الله العظيم.


والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.